السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
يعتبر الحوار من وسائل الاتصال الفعّالة، وتزداد أهميته في الجانب التربوي في البيت والمدرسة.
ولأنّ الخلاف صبغة بشرية فإن الحوار من شأنه تقريب النفوس وترويضها،
وكبح جماحها بإخضاعها لأهداف الجماعة ومعاييرها، ويتطلب الحوار مهارات معينة،
قواعد له إجراءات وآداب تحكم سيره، وترسم له الأطر التربوية التي من شأنها تحقيق الأهداف المرجوّة
إنّ في ثنايا الحوار فوائد جمّة نفسية وتربوية ودينية واجتماعية وتحصيلية تعود على المحاور
بالنفع كونها تسعى إلى نمو شامل وتنهج نهجا دينيا حضاريا ينشده كثير من الناس.
و القرآن الكريم أولى الحوار أهمية بالغة في مواقف الدعوة والتربية ، وجعله الإطار الفني لتوجيه الناس
وإرشادهم إذ فيه جذب لعقول الناس، وراحة لنفوسهم. إن الأسلوب الحواري في القرآن الكريم يبتعد عن الفلسفات المعقّدة،
ويمتاز بالسهولة ، فالقصة الحوارية تطفح بألوان من الأساليب حسب عقول ومقتضيات أحوال المخاطبين الفطرية والاجتماعية،
وغلّف تلك الأساليب بلين الجانب وإحالة الجدل إلى حوار إيجابي يسعى إلى تحقيق الهدف بأحسن الألفاظ، وألطف الطرق، قال تعالى :
( اذهبا إلى فرعون إنه طغى ، فقولا له قولاً ليناً لعلة يتذكر أو يخشى ) طه 43،44 0
وقوله تعالى في موقف نوح علية السلام مع ابنة :
( وهي تجري بهم في موج كالجبال ونادى نوحٌ ابنهٌ وكان في معزِلٍ يبني اركب مّعنا ولاتكٌن مّع الكافرين ،
قال سئاوي إلى جبلٍ يعصمٌني مِن المآءِ قال لآ عاصِم اليوم مِن أمرِ الله إلا من رحِم وحال بينهما الموج فكان مِن المغرقين ) هود 42،43 0
هذا وقد ورد ذكر الحوار في اكثر من موضع في القران الكريم في مواقف للدعوه والتربيه
والسطور الآتية تدور حول الحوار؛ ماهيّته وهدفه وأهميته ومقوّماته وكيفيته ، وفوائده التربوية،
لزيادة الرصيد المعرفي في التربية للمرشدين والمعلمين والآباء والأمهات. راجين أن تعمّ الفائدة الجميع…
( هدف الحوار)
لكل حوار هدف وهو الوصول إلى نتيجة مرضية للطرفين، وتحديد الهدف يخضع لطبيعة المتحاورين
إذ أن حوار الأطفال غير حوار المراهقين أو الراشدين وبالتالي يكون الهدف من الحوار
لتصحيح بعض المفاهيم وتثبيت العقيدة في نفوس الناشئين
وقد يكون لتهذيب سلوك معين.
أو رفع مؤشر التحصيل الدراسي.
أو بناء الأسرة.
وقد يكون الحوار من جانب الاب ليكون مثال للقدوة من أجل تمثّل القدوة في تطبيق الحوار
فيكون محاورا جيدا ليقتدي به أبناؤه ويتشرّبوا سلوكه.
وقد يستخدم المرشد الطلابي في المدرسة، أو والد الطفل الحوارَ من أجل التفريغ الانفعالي ليشعر المحاور الصغير بالراحة في ثنايا الحوار.
إذن فالأهداف متعددة للعلاج والبناء.
( أهمية الحوار)
يعد الحوار من أحسن الوسائل الموصلة إلى الإقناع وتغيير الاتجاه الذي قد يدفع إلى تعديل السلوك إلى الاحسن ،
لأن الحوار ترويض للنفس على قبول النقد، واحترام آراء الآخرين، وتتجلّى أهميته في دعم النمو النفسي
والتخفيف من مشاعر الكبت وتحرير النفس من الصراعات والمشاعر العدائية والمخاوف والقلق؛
فأهميته تكمن في أنّه وسيلة بنائية علاجية تساعد في حل كثير من المشكلات.
كيف يمكن أن يكون الحوار مفيد
* تحديد الهدف من الحوار وفهم موضوعه، والمحافظة عليه أثناء الحوار إذ أنّ من شأن ذلك حفظ الوقت والجهد
وتعزيز احترام الطرف الآخر.
وعدم إفحامه أو تحقيره، والتهيؤ لخدمة الهدف المنشود بانتهاج الحوار الإيجابي البعيد عن الجدل وتحري العدل والصدق والأمانة
والموضوعية في الطرح مع إظهار اللباقة والهدوء، وحضور البديهة ، ودماثة الأخلاق
والمبادرة إلى قبول الحق عند قيام الدليل من المحاور الآخر.
* عدم إصدار أحكام على المتحاور أثناء الحوار حتى وإن كان مخطأً لكي لا يتحول الموقف إلى جدال عقيم لا فائدة منه .
* محاورة شخص واحد في كل مرّة ما أمكن ذلك دون الانشغال بغيره بغيرة أثناء الحوار
حتى يلمس الاهتمام به فيغدو الحوار مثمراً ومحققاً لأهدافه.
* اختيار الظرف الزماني والمكاني ومراعاة الحال : على المحاور أن يختار الوقت والمكان
المناسبين له ولمحاوره على حدٍّ سواء وبرضى تام. وعلى المحاور أن يراعي حالة محاوره أيضا
فيراعي الإرهاق والجوع ودرجة الحرارة، وضيق المكان والإضاءة والتهوية بحيث لا يكون الحوار سابقا لطعام والمحاور جائع
أو أن يكون الحوار سابقا لموعد الراحه والمحاور يفضّل النوم، أو يكون الحوار في وقت ضيق كدقائق ما قبل السفر،
أو وقت عملٍ آخر، أو أثناء انشغال الطالب المحاور بشيء يحبّه أو في وقت راحته أو في زمن مرهق
له كزمن انصراف الطلاب إلى منازلهم نهاية اليوم الدراسي أو أثناء تمتّعهم بوقت فسحتهم المدرسية.
إن الحوار يجب أن يراعي مقتضى حال المحاورين من جميع الجوانب النفسية والاقتصادية والصحية والعمرية والعلمية
ومراعاة الفروق الفردية والفئة العمرية مع الإيمان بأن الاختلاف في الطبيعة الإنسانية أمر وارد.
قواعد جوهرية في كيفية الحوار:
* الاستماع الإيجابي :................................................. ..........
وهي طريقة فعّالة في التشجيع على استمرارية الحوار بالإيجابية وهي تنمّي العلاقة بين المتحاورين،
والاستماع الإيجابي أثناء محاورة الطفل أمر هام حيث يعني أن يكون المحاور بكل عواطفه نحو ما يقوله ذلك الطفل
( قبول المشاعر مهما كانت ) بل والتجاوب مع حركاته وتعبيراته غير اللفظية، وهذا من شأنه الوصول إلى حلول مٌرْضية لمشكلات الطفل،
وسيصبح الاستماع الإيجابي سلوكا مكتسبا بالقدوة. ويحتاج الاستماع الإيجابي إلى رغبة حقيقية في الاستماع تخدم الحوار، وفي ذلك تعلّم
الصبر وضبط النفس، وعلاج الاندفاعية و تنقية القلب من الأنانية الفردية، وفي ذلك تربية للأولاد على الجرأة وغرس الثقة في نفوسهم
بإعطائهم الفرص للتعبير عن مشاعرهم، وتنمية قدراتهم وتحقيق ذواتهم، والاستماع الإيجابي يؤدّي إلى فهم وجهة نظر الآخرين وتقديرها
ويعني مساحة أكبر في فهم المشاعر.
* حسن البيان:........................................... .....................
يحتاج المحاور إلى فصاحة غير معقّدة الألفاظ، وإلى بيان دون إطالة أو تكرار فتكون العبارات واضحة،
ومدعومة بما يؤكّدها من الكلام الطيب والشواهد والأدلة والأرقام وضرب الأمثلة. ومن البيان تبسيط الفكرة
( إنْ كان المحاور طفلاً ) وإيراد الحكايات الداعمة لاستثارة الاهتمام واستنطاق المشاعر مع تقديرها، ومواصلة الحوار حتّى يتحقق الهدف.
ومن البيان أيضاً عدم السرعة في عرض الأفكار لأن ذلك يُعجِز الطفل فلا يستطيع الملاحقة، وكذا عدم البطء كي لا يمل. ومن البيان ترتيب
الأفكار بحيث لا تزحمْ الأفكار في ذهن المحاور، خاصة الصغير، فيضطرب إدراكه. وعلى المحاور ألا ينشغل بالفكرة اللاحقة حتّى ينهي الفكرة
الأولى، وعليه ألا يظن أن أفكاره واضحة في ذهن محاوره كما هي واضحة في عقله هو. وعلى المحاور
أن يعرف متى يتكلم ومتى ينصت ومتى يجيب بالإشارة، وعليه استخدام نبرة صوتٍ مرحة وهادئة،
وعليه أن يتحكم في انفعالاته حتى لا تسقط على الصوت أثناء الحوار، وعليه أن يغضض من صوته وأن يتذكر، دائمأً أن الحجة الواهية لا
يدعمها أيُّ صوتٍ مهما علا؛ فالحجة القوية غنية بذاتها عن كل صوت.ولا بأس بشيءٍ من الطرفة والدعابة الكلامية والرواية النادرة التي
تجذب المحاور، مع وزن الكلمة قبل النطق، وكذا الحذر من الاستطراد. ومن البيان ألا يتعجل المحاور الردّ قبل الفهم لما يقول محاوره تماماً.
* يحتاج المحاور إلى الجاذبية، وتقديم التحية في بدء الحوار، وأن يبدأ بنقاط الاتفاق كالمسلمات والبدهيات
وليجعل البداية هادئة حنونة، تقدر المشاعر عند الأطفال، وليبدأ مع المحاور الطفل بمواضيع شيّقة يحبّها، أمّا مع الراشدين فلتكن البداية
منطقية عقلانية، وإذا لم ٌيْجدِ المنطق والبرِّهان فليعمدْ إلى التودد والإحسان مع المراهقين والراشدين.
وعلى المحاور أن يمازح الشخص الذي يحاوره مهما كان فضا، وأن يظهر احترامه وأن يضع نفسه مكانه وأن يعامله على هذا الأساس.
إنّ من شأن البدء بنقاط الاتفاق والبدء بالثناء على المحاور الآخر امتلاكَ قلبه وتقليص الفجوة
وكسب الثقة بين الطرفين، وتبني جسرا من التفاهم يجعل الحوار إيجابيا متّصلا.
أمّا البدء بنقاط الخلاف فستنسف الحوار نسفا مبكّراً.
* على المحاور ألا يستخدم كلمة " لا " خاصة في بداية الحوار، ولا يستعمل ضمير المتكلم أنا، ولا عبارة
" يجب عليك القيام بكذا… " ولا عبارة " أنت مخطئ "و سأثبت ذلك
* على المحاور أن يستخدم الوسائل المعينة والأساليب الحسية والمعنوية التي تساعده على توصيل ما يريد
كالشعر وضرب الأمثال والأرقام والأدلة والبراهين وخاصّة للراشدين مع تلخيص الأفكار والتركيز على الأكثر أهمية.
* ضبط الانفعالات ( " لا تغضب "، توجيه نبوي ) فعلى المحاور أن يكون حكيما يراقب نفسه بنفس الدرجة
من اليقظة والانتباه التي يراقب فيها محاوره، وعليه إعادة صياغة أفكار محاوره وتصوراته وقسمات وجهه ورسائل عينيه،
وعليه ألا يغضب إذا لم يوافقه محاوره الرأي.
* عدم إعلان الخصومة على المحاور كي لا يحال الحوار إلى جدل وعداء.
* مخاطبة المحاور باسمه أو لقبه أو كنيته التي يحبّها، مع عدم المبالغة في ذلك.
* الإجابة بـ " لا أدري " أو " لا أعلم " إذا سئل المحاور عن مسألة لا يعرفها، وفي ذلك قدوة صالحة للأولاد.
وفيه شجاعة نفسية بعدم التستر على الجهل الشخصي.
* الاعتراف بالخطأ وشكر المحاور الآخر على تنبيهه للمحاور الأول حتى وإن كان المحاور صغيرا،
وقد يبدو ذلك صعبا في نظر البعض أمام الأولاد ولكن التعلم بالقدوة من أكبر الفوائد التربوية.
* على المحاور التذكر في كل لحظة أنه يحاور وليس يجادل خصما، وأن يتذكر عند محاورة الأولاد أن ذلك الحوار
أشد من موج البحر في يوم عاصف، فإن لم يكن ربّانا ماهرا للحوار يمنع الاستطراد ويتجنب تداخل الأفكار
* على المحاور ألا يضخّم جانبا واحدا من الحوار على حساب جوانب أخرى.
* على المحاور ألا يتعالى بكلمة أو بإشارة أو بنظرة.
* على المرشدين أن يفرقوا بين الحوار وبين الجلسة الإرشادية وفنياتها، مع توظيف الحوار لخدمة الأهداف الإرشادية.
* على المحاور أن يتذكر دائما أن الحوار المحمود هو الذي يحق الحق، ويبطل الباطل.