في أي مرحلة من مراحل العصور المختلفة التي مرت على العالم سواء في الشرق أو الغرب، سواء قبل التاريخ أو بعده، فنجد أنه لا يمكن الفصل بين الفن والعمارة، وإذ ما تحدث المؤرخون عن العمارة فيصفونها بأنها عمل إنشائي تكويني، نجد أنهم يطرقون باب الفن فيها، ويتحسسون مواضعه، ويحددون مكانه ومكانته، ويبرزون صور الفنان المختلفة فيها، ويطغون بذلك على العمارة، حتى رأينا أنهم في الماضي وصفوا العمارة بأنها فن، وأطلق عليها قدماء اليونان (أم الفنون)، وكان اليونان على حق في هذا التعريف؛ لأن العمارة كانت في تلك العصور لا تختلف عن النحت أو الرسم، وكان الفن هو المتغلب عليها وأخرجها عن الغرض من كيانها.
ولقد مرت على العمارة عصور وأجيال كثيرة وهى وقف على الحجر والصخر، وعلى المواد التي وجدها الإنسان حوله من الطبيعة، وعرف الإنسان كيف يستغل تلك المواد استغلالاً صحيحاً، فظهرت العقود والقباب والقبوات، وكلها نشأت على أساس علمي إنشائي صحيح، لا على أساس فني. ثم وجَّه الإنسان همه إلى إخفاء تلك الأحجار الصلبة تحت رداء من الزخارف والحليات والكرانيش بطبقات من البياض، فخرجت العمارة من يد المعماري إلى يد الفنان النحات مثل: (مايكل أنجلو - رفائيل - برنينى - سانجالو.. وغيرهم)، وأخرجت معاولهم تحفاً فنية، ولكنها ليست بمبانٍ سكنية بقدر ما هي نماذج كقطع الأثاث والزينة.. ينظر إليها الإنسان ويعجب من صنعها كحلية، ويتعجب من كونها بنيت للسكن.
ولما أخرج اليونان العمارة من مثلث الفنون (النحت - التصوير - العمارة)، وسَمُّوا العمارة بأنها أم الفنون؛ ذلك لأنهم لمسوا بأنفسهم أن العمارة هي التي تكتب تاريخ الفن وتحدد طابعه؛ لأن التصوير والرسم والنحت رهن بوحي الفنان، أما العمارة فهي التي تسخر وحي الفنان المعماري لبناء مطالب الشعب الذي عاصرها، وبذلك جمعت العمارة بين ثقافة العصر وعلومه، واحتياجاته ومطالبه وبين وحي المهندس المعماري وطبعها بطابع الجمال، فجمعت العمارة تحت سيطرتها مجموعة من نواحي الفن المكملة كالنقش والحفر والزخرفة والألوان والإضاءة والأثاث إلى غير ذلك من الفنون الأخرى.