ismailkhi عضو متألق
عدد الرسائل : 341 المزاج : طيب المعاملة نقاط التقييم : 3 تاريخ التسجيل : 26/07/2008
| موضوع: أيام في طشقند وسمرقند وبخارى (4/6) الإثنين 29 سبتمبر 2008 - 13:27 | |
|
التقيت في بخارى في المؤتمر بأستاذ تركي يدّرس العربية في جامعة روتردام في هولندا، واسمه مصطفى أوزجان وهو من اسطنبول، وقد أخبرني أن الجامعة في روتردام تشترط لمن يريد أن يدرس العربية والعلوم الإسلامية في جامعتها أن يدرس العربية لمدة سنتين حتى يفهمها، وتشترط على المدرس أن يعرف الهولاندية أو يدرسها حتى يفهمها، وقد ذكر لي أنه درس العربية في مدرسة "خَسَكي" في اسطنبول، و"خسكي" هي زوج السلطان سليمان القانوني، وهي التي أنشأتها، واليوم لها فروع في بعض المدن التركية، وتشترط على من يريد أن يدرس بها أن يكون قد فرغ من الجامعة، وأن يَدْرس بالعربية، ومدة الدراسة سنتان ونصف يدرس فيها الطلاب العلوم الإسلامية والعربية، وهي تابعة لرئاسة الشؤون الدينية ولذلك تكون الدراسة فيها بالعربية، وذلك لأن المدارس التابعة لوزارة التعليم يمنع فيها التدريس بالعربية، وكل مدرسة لا تقبل إلا ستين طالباً فقط، وكان ما ذكره جديداً علي تماماً.
وأخبرني بأمر جليل وهو أنه كان في هولندة امرأة هولندية أسلمت وتزوجت تركياً مقيماً في هولنده، وتحجبت ولله الحمد والمنة، فزارها الدكتور مصطفى أوزجان في بيت زوجها فذكرت له أنها كانت تحدث نفسها دوماً: لماذا أسلمت وغيرت دينها، فلما كانت حاملاً بابنتها رأت أباها في المنام، رأت نفسها واقفة على قبره الذي انشق أمامها وخَرج منه أبوها وهو أسود اللون تماماً من رأسه إلى قدميه بل كان متفحماً تماماً، ودعاها لأن تدخل معه إلى قبره فاعتذرت عن عدم قبول ذلك بسبب أنه يضر جنينها الذي في بطنها، ثم قال لها أبوها: أنت دوماً تتساءلين عن سبب إسلامك أليس كذلك فقالت: بلى، فقال لها: وهل يرضيك أن تكوني مثلي، انظري إلى جسدي المحروق وهذا بسبب ما مت عليه من عقيدة فاحتفظي يا بنتي بدينك ولا تتراجعي عنه، فقالت المرأة للدكتور: بعد أن رأيت هذا المنام أيقنت بأني على حق، وأن الإسلام هو الدين الصحيح، ولما أخبرني الدكتور مصطفى أوزجان بهذا سرت القشعريرة في جسدي تعجباً وتعظيماً لهذا الخبر، والله تعالى يهدي من شاء بما شاء جل جلاله.
في اليوم الذي ختم فيه المؤتمر دعانا حاكم بخارى إلى عشاء في الفندق نفسه، لكني علمت أنه سيكون هناك مغنية كما كان الحال في عشاء حاكم سمرقند، فاعتزلت العشاء وبقيت في غرفتي حيث أتوا لي بالعشاء، ولله الحمد.
وفي الصباح ذهبوا بنا في حافلة كبيرة لزيارة الآثار، فبدأوا بضريح بهاء الدين نقشبند صاحب الطريقة النقشبندية الشهيرة التي يتبعها غالب أهل المنطقة، وهي طريقة تقل بدعها بالمقارنة مع أكثر الطرق الصوفية، وكان لها فضل كبير في إحياء الجهاد ضد القياصرة الروس ومن بعدهم البلاشفة، فذهبت إلى قبره وسلمت عليه السلام الشرعي، لكني رأيت أموراً هناك يذوب لها المسلم حزناً وخجلاً، من طواف حول القبر، وتمسح به بل تمسح باللوح الرخامي الذي كتب عليه نبذة من حياته !! هذا عدا عن الذهاب بالرضَّع إليه، التماساً للبركة، وذهاب العروسين هناك للبركة أيضاً!! هذا والمرأة العروس في كامل زينتها !! إنا لله وإنا إليه راجعون كيف انقلبت المفاهيم، وظهر الفساد حتى صار هو الأصل، وصار المعروف منكراً والمنكر معروفاً، والعجيب أن النساء يطفن حول القبول بدون حجاب مما زاد الطين بلة.
ثم أخذنا إلى منطقة أخرى مليئة بقبور العلماء والأمراء والقواد والعامة، وفيها من البلاوي ما هو قريب مما في منطقة الشيخ بهاء الدين نقشبند، وإنما يعود ما هم فيه إلى الجهل الشديد الذي عليه أكثر عامتهم، ولعدم استطاعة علمائهم الجهر بالحق، فصارت عقيدة التوحيد التي هي سهلة يسيرة واضحة، صارت مختلطة بهذه البدع الغليظة.
ثم أخذنا بعد ذلك إلى المدينة القديمة، وهي أصل مدينة بخارى، وفيـها مدرسـة مير عرب، وقد بناها الشيبانيون لعالم من اليمن يسمونه محمد اليماني لذلك ورد في اسمها كلمة عرب، وهو مدفون فيها، وصلينا في المسجد الجامع الضخم الذي يدعونه "كالون" ومنارته الشهيرة التي هي أطول منارة في آسيا الوسطى، ودرجاتها حلزونية وعددها خمس ومائة درجة، وهي بديعة المثال، جميلة المنظر، وقد صعدت إلى أعلاها مع مجموعة من الإخوة فانكشفت لنا بخارى كلها قديمها وحديثها، وهذه كلها من مباني القرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي.
والمدينة القديمة عجيبة في تعميمها وبنائها، والداخل إليها يشعر بشعور غريب مزج فيه الرهبة بالإجلال، وما ذلك - والله أعلم - إلا لقدم البناء مع علوه على وجه غير معتاد، فالقدم ورثك الإجلال، والعلو والارتفاع يورثانك الرهبة والمهابة، وأنا أعود إلى القول بأن هذا الذي رأيته ـ على جلاله وعظمته ـ إنما هو نوع من العلو في البنان، والسرف في غير محله، لكن له اليوم فائدة واحدة مهمة نبهني عليها الدكتور عبد الإله بن عرفة ـ مندوب الإيسيسكو ـ ألا وهي أن هذه المباني صارت اليوم رمزاً يجتمع عليه أهل تلك البلاد فيتذكرون عزة ماضيهم التليد، وجلال مجدهم السليب، وربما تحركهم هذه المباني للعمل على أن يعودوا إلى ما كانوا عليه، وربما ينازع بعض الناس في هذه الفائدة لكن أظن أن لها وجهاً مقبولاً والله أعلم.
ثم مرت الحافلة بنا على قلعة بخارى القديمة، والقلعة تسمى بلغتهم قُهُنْدُزْ، وقد قال لي أحد المترجمين المرافقين للباحثين أن الروس لما حاصروا البلد ضربوا القلعة بقنابل الطائرات فدمرت أجزاء منها وسلم المسجد بفضل الله تعالى.
ثم مرت الحافلة بنا على مدارس قديمة كثيرة ومساجد أثرية، وعلى خوانق للصوفية، والخوانق جمع خانقاه، وهي ما يعد للصوفية لخلوتهم وتعبدهم، وكان للصوفية دولة في المنطقة وهيمنة وشأن كبير لكن الشيوعيين لما جاؤوا إلى البلاد وعاثوا فيها الفساد ضيقوا على الصوفية جداً.
ثم أُخذنا إلى الفندق لنستعد للذهاب إلى طشقند بالقطار أيضاً، ولقد حاول المشرف على المؤتمر والمنظم له أن نسافر بالطائرة لكن المنظمين المحليين رفضوا رفضاً باتاً، ولم نعلم لرفضهم هذا سبباً، فالمال قد دفع من جهة أخرى خارجية، والمسافة من بخارى إلى طشقند طويلة جداً بالقطار إذ تقطع في اثنتي عشرة ساعة بقطار ليلي ذي سرر للنوم، وحاول منظمو الرحلة أن يشرحوا للمنظمين المحليين أننا بحاجة للذهاب بالطائرة لأن في الباحثين من هو طاعن في السن فهو في عشر السبعين، وفيهم من هو مريض لكنهم لم يرضوا ولم يقبلوا، ولم نعرف لذلك سبباً، فالله أعلم، فلما وصلنا إلى الفندق حزمنا حقائبنا وبقينا فيه نحو ساعة، ثم ركبنا الحافلة متجهين إلى محطة القطار، وسألت الله أن يسهل السفر علينا فمنذ أن خرجت من جدة وأنا في سفر دائم من جدة إلى اسطنبول ثم طشقند ثم سمرقند ثم بخارى ثم طشقند ثم اسطنبول ثم جدة وكل ذلك في ثمانية أيام حتى أرهقني السفر وأتعبني، لكن عند الله تعالى أحتسب ذلك وأرجو ألا يحرمني من ثوابه هنالك.
هذا وقد لحظت أن القوم يعيشون كما كان سكان أكثر البلاد العربية يعيشون قبل ظهور الصحوة؛ فمصر والشام والعراق والمغرب والخليج كان أكثر القوم فيها في بعد في الجملة عن الالتزام بالإسلام في السبعينات والثمانينات وأوائل التسعينات الهجرية/ الخمسينات والستينات وأوائل السبعينات الميلادية، فالحجاب كان نادراً، ولم يكن هناك نظام إسلامي يحكم الاقتصاد والإعلام والسياسة وسائر وجوه الحياة، ثم ظهرت الصحوة المباركة بفضل الله تعالى فتغيرت الأحوال، أما دول آسيا الوسطى التي زرتها وهي قيرغيزستان وقزقستان وأوزبكستان فهي تعيش مرحلة العودة البطيئة إلى الإسلام لكن لم تظهر فيها بعدُ الصحوة، ولم تكتمل لها عوامل اليقظة، وأحسنهن في ذلك قيرغيزيا، وما زال الحجاب نادراً في شوارع ألماتا عاصمة قزقستان، وبخارى وطشقند، ولا زالوا لم يظهر فيهم الإعلام الإسلامي بأنواعه المختلفة وكذلك الاقتصاد الإسلامي إلى آخر ما يحكمه الإسلام من كل جوانب الحياة، وللقوم في ذلك بعض العذر؛ فهم قد خرجوا للتو من استخراب روسي قيصري ثم بلشفي طويل جداً ناف على مائة وعشرين سنة وهم بحاجة ماسة إلى مساعدة البلاد العربية والإسلامية والكثرة الكاثرة منها قد قلبت لها ظهر المجن وأسلمتها لمصيرها، وأنا واثق إن شاء الله تعالى أن هذه الدول كلها ينتظرها مستقبل مشرق وسيكون لها أثر كبير في إنشاء الحضارة الإسلامية المرتقبة.
| |
|
ahmed elalem مشرف سابق
عدد الرسائل : 444 الهواية : كرة القدم واللعب على الكمبيوتر و البرمجة المزاج : حسن نقاط التقييم : 49 تاريخ التسجيل : 22/07/2008
| موضوع: رد: أيام في طشقند وسمرقند وبخارى (4/6) الإثنين 29 سبتمبر 2008 - 21:45 | |
| | |
|