أولا : أن تتأملي في آيات القرآن الكريم وأحاديث السنة النبوية الصحيحة التي تأمر بالإخلاص وتحذر من الرياء؛ لتقفي على مكانة الإخلاص وخطر الرياء، ولا بأس أن تبدئي بباب الإخلاص من كتاب رياض الصالحين للإمام النووي؛ وذلك أن الإنسان إذا وقف على حقيقة الشيء وخطره كان أدعى وأقوى في مقاومته والبعد عنه. وقد قال أبو حامد الغزالي- رحمه الله- : "كل الناس هلكى إلا العالمين، وكل العالمين هلكى إلا العاملين، وكل العاملين هلكى إلا المخلصين، والمخلصون على خطر عظيم".
ثانيا: يليق بك أن تنبهي من يمدحك تنبيها لطيفا إلى خطر ذلك على النفس والعمل، وتذكرين له حديث النبي- عليه السلام- الذي يأمر فيه بحثو التراب في وجوه المداحين، وحاولي معه أن يستبدل هذا المدح بالدعاء لك أن يتقبل الله منك، والكلمة الطيبة صدقة.
ثالثا: سوف تواجهين بعض الناس لا يفتئون يثنون على الناس ويحمدونهم حتى بما لم يفعلوا، وهنا يجب استخدام أسلوبا يقدره الممدوح بما يتناسب مع الشخص والموقف.
رابعا: لا شك أن المسلم الممدوح على عمل ما ربما يصيبه رذاذ من الإعجاب بالنفس وقد يحمله على استحضار داعية الرياء، وهذا يوجب على الإنسان أن يتذكر- على الفور- أن هذا محض التوفيق الأعلى، لا نتيجة ذكاء خارق أو علم فياض أو ما إلى ذلك.
وهنا يحسن أن نفهم سياق سورة الضحى التي أمر الله فيه نبيه أن يحدث بنعمة ربه، فإذا تأملنا بدايات السورة وجدنا الله تعالى يعدد نعمه على نبيه: "أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى* وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى* وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى" (الضحى: 6-
؛ ثم يقول له: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) (الضحى:11).
فكأن الله يريد- والله أعلم بمراده- أن يقول لنبيه : "يا محمد، حدِّث بنعمة ربك مستشعرا ما أنعمت به عليك". فاستشعار هذا المعنى لن يبعدك عن ربك، بل سيجعلك دائما في رحابه وشكره على نعمه، بل سيضعك في دائرة استشعار التقصير الدائم إذا ما لاحظت بعينك النعم التي أنعم بها عليك.
خامسا: يحسن بالمسلم أن يعقد نواياه قبل الخوض في العمل، ويسأل نفسه هذا السؤال : لماذا؟ فإن كان للناس والسمعة واستجلاب أنظار الخلق للمدح والثناء وجب التوقف الفوري وعقد النية جيدا، وإن كان لله خالصا مجردا فبها ونعمت، وعلى المسلم أن يراقب نفسه أثناء العمل ويجدد نيته دائما حتى لا تشرد منه هنا أو هناك، ثم يدعو الله بعد العمل أن يتقبل منه، ويخشى أن يرد الله عمله عليه.
سادسا: انظري قبل أن ترائي بعملك : مَنْ ترائين؟ هل هذا العبد يملك شيئا، هل سيعطيك ثمنا على عملك؟ أم أنك تبتغين الأجر ممن يملك أمرك وأمر هذا الضعيف: فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال الله تبارك وتعالى: "أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه". رواه مسلم.
تصوري ـ أختاه ـ أن كل من حولك هباء، وأن المستحق الوحيد للإخلاص هو الله، فإذا كان الله خلق ولم يشاركه أحد في الخلق، فلِمَ نشرك معه غيره في العبادة؟ وبدلا من أن ترائي الخلق بالعمل، اجعلي عملك لله وتحسسي موضع نظره منك، فهو عين الإخلاص.
سابعا: عليك بالدعاء والتضرع إلى الله تعالى أن يثبت قلبك على الإخلاص، وأن ينقي عملك من كل شائبة، وأن يقوي ظهرك على الأعباء، ويحسن أن ترتمي في رحابه تعالى، وترددي هذه الكلمات: "اللهم خذني إليك مني، وارزقني الفناء عني، ولا تجعلني مفتونة بنفسي محجوبة بحسي".
أخيراً؛
أريد أن أحذرك من أمر جلل، وهو: إياك أن يتسرب إليك الشيطان بوساوسه، ويدور حولك بِحِيَلِه، وقد أصبحت في منصب قيادي ـ ويوحي إليك أنك ترائين بعملك، وأنه يجب أن تتركيه على الفور؛ لأن هذا يتعارض مع الإخلاص، ويبعدك عن الله ويقربك من النفاق؛ فهذا مدخل من مداخله المعروفة التي لا تخفى عليك، ولو تركنا أعمالنا ومناصبنا لهذا الوسواس لما تحقق للمسلمين النصر في الدنيا، ولما روى لنا التاريخ أئمة في الدنيا كانوا في أعمالهم ومناصبهم مؤيدين بتأييد الله وموفقين أيضا بتوفيقه.
هذا ولو تركنا مناصبنا وأعمالنا من أجل الرياء "المزعوم" هنا فمن الذي سيقود العمل؟ طلاب الدنيا الذين يسعون لمصالحهم الشخصية، ضاربين عرض الحائط بمصالح الناس ومقاصد الشرع؟! هذه هي النتيجة الحتمية، وساعتها لا نلوم إلا أنفسنا، يوم لا ينفع الندم.
والله يؤيدك ويحميك من الرياء وخطره، ويرزقنا معك الإخلاص وتجريد الإخلاص.