فزماننا هذا مملوء بالفتن والصوارف، والمؤمن الحق، في هذا الزمان، هو الذي يستطيع المحافظة على ما وصل إليه من إيمان، فلا يتراجع، مع بذل ما في الوسع للارتقاء بنفسه في سلم المؤمنين وفي درجات الصالحين، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: "ستكون فتن كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً يبيع دينه بعرض من الدنيا" أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
وفي ضوء هذه الفتن، لا أملك – أخي الحبيب – إلا أنأوصي نفسي وإياك ببعض النصائح التي أسال الله أن ينفعني وإياك بها:-
أولا: وثق صلتك بخالقك سبحانه وتعالى، وحسن علاقتك به، فكن لما أمرك طائعاً، وعما نهاك منتهياً، والمؤمن موصول بالله في كل حين، لا يغفل عن ربه.
ثانيا: ابتعد عن قرناء السوء، ما استطعت، فإن المرء لا يجني من ورائهم إلا الخسران، وقد شبّه النبي صلى الله عليه وسلم الجليس السوء بنافخ الكير، وهو القائم بمهنة الحدّاد، فإما أن يتطاير عليك من شرر ناره فيُحرق ثيابك، أو تجدَ رائحة كريهة تصيبُ بدنك وثوبك، فجليس السوء يُلحق الضررَ بمن يجالسه. وينبغي أن نفطن إلى أن تشبيه النبي صلى الله عليه وسلم لجليس السوء بالحداد لا يعنى تحريمَ هذه المهنة، وإنما يعنى النتيجة المترتبة على الاقتراب ممن يمارس هذه المهنة أثناء عمله.
ثالثا: عليك بمصاحبة أهل الإيمان، ومن تظن فيهم خيراً، فـ(المرء على دين خليله...)، وروى البخاري ومسلم من حديث أبى موسى الأشعريِّ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء، كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يُحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخُ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً منتنة".
رابعا: حافظ على الصلاة وكن من رواد المساجد، لتكون أحد السبعة الذين يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله، "ورجل قلبه معلق بالمساجد فلا يخرج منها حتى يعود إليها". وعن أبي هُريرة رضيَ الله عنه أن َّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم قال :"الصلوات الخَمس، والجُمُعَة ُإلى الجُمُعَة ُ، كفَّارة ٌ لما بَيْنَهنَّ ما لم تُغشَ الكبَائر" (رواه مسلم). وعنْ عُثمان بنَ عفان رضيَ الله عنه قال: سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم يقولُ: "ما مِنْ امْرِئ مُسلم تَحضُرُه صَلاةٌ مَكتُوبَةٌ فَيُحسنُ وُ ضُوءها وخُشُوعَها، إلاَّ كانت كَفـَّارةً لمَا قَبْلها مِن الذنوب ما لم تُؤْتَ كَبيرة، وَ ذَلك الدَّهر كلَّه" (رواه مسلم).
خامسا: أكثر من قراءة القرآن، وتدبر معانيه، واجعل لنفسك ورداً منتظماً. فعن أبِي أمَامَة رضي اللهُ عنه قال : سَمِعتُ رَسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اقرؤوا القرآن فَإنهُ يَأتيِ يَومَ القِيامةِ شَفيعاً لأصْحَابه" (رواه مسلم). وعن عَثمان َبن ِعفانَ رضيّ الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "خـَيْرُكم من تَعَلمَ القُرْآن وعَلَّمه" (رواه البخاري). وعنِ ابنِ عباس ٍ رضيَ الله عنهما قال : قال رسول ُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الَّذي لَيسَ في جَوفهِ شَيء منَ القرآن ِ كالبَيْتِ الخَرِبِ" (رواه الترمذي). وعـَنِ ابنِ مسعودٍ رضيَ الله ُ عَنهُ قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَرأ حَرْفَاً مـِنْ كِتابِ الله ِ فَلـَهُ حَسَنَة والحَسَنَةُ بِعشرِ أمثالِها لا أَقولُ، ألم حَرْفٌ، ولَكِنْ ألفٌ حَرْفٌ، ولامٌ حَرْفٌ، ومِيمٌ حَرْفٌ" (رواه الترمذي).
سادسا: أكثر من الدعاء، والإلحاح على الله سبحانه وتعالى، فإنه يحب من عباده المُلِحيّنَ في الدعاء، وانتهز ساعات السحر فإن لها عند الله مكانة خاصة أن الله تعالى أثنى على أنبيائه به، قال تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرٰتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُواْ لَنَا خٰشِعِينَ} [الأنبياء:90]، وقال أيضاً: {وَقَالَ رَبُّكُمْ ٱدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دٰخِرِينَ} [غافر:60]. وعن النعمان بن بشير قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: (الدعاء هو العبادة)، ثم قرأ: {وَقَالَ رَبُّكُـمْ ٱدْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ...}.
سابعا: اجعل لسانك رطبا بذكر الله، والزم الاستغفار، فإن من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ورزقه من حيث لم يحتسب. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا كَثِيرًا* وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) [الأحزاب:41-42]، وقال تعالى: (... وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) [الأحزاب:35]. وعن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله : {ألا أخبركم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة، ومن أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم، ويضربوا أعناقكم } قالوا: بلى يا رسول الله. قال: { ذكر الله عز وجل } [رواه أحمد]. وفي صحيح البخاري عن أبي موسى، عن النبي قال: { مثل الذي يذكر ربه، والذي لايذكر ربه مثل الحي والميت }.
ثامنا: كن بارا بوالديك، وأحرص على إرضائهما، فإن رضاهما من رضا الله عز وجل وسخطهما من سخطه. قال الله تعالى: {وقضى ربّك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانًا . إمّا يبلغنّ عندك الكِبر احدهما أو كلاهما فلا تقلْ لهما أفٍّ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريمًا واخفض لهما جناح الذلِّ من الرحمة وقل ربِّ ارحمهما كما ربّياني صغيرًا} (سورة الإسراء 23-24).
تاسعا: صل رحمك، وابدأ بالأقربين، فهم أولى بالمعروف، قال تعالى: (... وَأُولُو الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ). وقال أيضاًً (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ).
عاشرا: أكثر من النوافل، فإنها سبب من أسباب تحصيل محبة الله ورضاه. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه".
أخي شعبان:
وأما عن سؤالك: كيف أستطيع مع خطيبتي أن نقدم شيئا ولو بسيطا لهذا الدين العظيم؟، فشكر الله همتك العالية، ورغبتك في استثمار هذه الفترة المهمة من حياتكما – فترة الخطبة- في النافع المفيد لدينكما، وأسأل الله أن يؤجركما خيرا وأن يعاملكما حسب نيتكما.. آمين.
ويمكنك – أخي الكريم- أن تقدم لدينك الكثير والكثير، ولكن اعلم أن هذه الفترة من حياتكما لها أهمية خاصة، حيث إنها بداية البناء والتأثيث لمنزل الزوجية، وكلما كان الأساس متينا كان البناء قويا، قادراً على مواجهة رياح الحياة وعواصفها التي كثيرا ما عصفت ببيوت لم تؤسس على التقوى.
ويحسن بك – أخي- أن تحرص في مجالستك لخطيبتك على الضوابط الشرعية، فلا تخلو بها في غير محرم، واعلم أنه بقدر حرصك على هذا المر بقدر ما تؤجر من الله، وتسمو في عينها وعين أهلها، ويمكن لك أن تنتهز هذه الفرصة فتوجه رسالتك الإيمانية لها ولأهلها معا.
وحتى تكون الأمور محددة وواضحة أوصيك بهذه الأمور:-
1- رسخ لديها مفهوم الزواج وأنه يعني بناء أسرة، وبين لها أهمية الأمر وعظيم الجر الذي ينتظرها من الله.
2- بين لها مسئولياتها تجاه زوجها وبيتها، ومستقبلا تجاه أبنائها عندما تصبح أما.
3- عرفها بحقوقها عليك، وأفهمها أن هذه حقوق شرعها لها رب العالمين.
4- عاهدها على حسن المعاشرة، وأن تكون لها خير بعل لتكون لك خير زوجة.
ويمكنك – أخي الكريم – أن تنتهز زيارتك لها ولأسرتها في إثارة عدد من الموضوعات التي تتيح لك أن تتعرف على جوانب شخصياتها،وأرشح لك عدد من الموضوعات مثل:
1- حال الأمة الإسلامية، وما آل إليه أمرها من هوان، وأسباب هذا الهوان في نظرهما، ما الحل لما نحن فيه، ولما وصلنا إليه؟.
2- مفهوم الزواج في الإسلام، وهدفه، وكيف يفهمه الناس؟
3- حقوق الزوجين كما كفها الإسلام.
4- تربية الأولاد.. فضلها وأهميتها.
5- مفهوم التدين والالتزام، وخطورة الفهم الخاطئ للإسلام.
إلى غير ذلك من القضايا والموضوعات التي تفتح المجال للنقاش وإبداء الآراء، مما قد يكشف لك – بطريق غير مباشرة – عن شخصيتها ومدى فهمها لحقوقها وواجباتها.
وختاما؛
نسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياك لما يحب ويرضى، وأن يفقهنا في ديننا، وأن يعيننا على طاعته، وأن يصرف عنا معصيته، وأن يرزقنا رضاه والجنة، وأن يعيذنا من سخطه والنار، وأن يهدينا إلى الخير، وأن يصرف عنا وعنك شياطين الإنس والجن، إنه سبحانه خير مأمول، وأعظم مسئول.
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ...