بسم الله الرحمن الرحيم
سبحان من صرّف الدهور والأعوام فما إن يمضي عام إلا ويحل عام وسبحان من يدير الأيام بين خلقه وقد قال - سبحانه -: "وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ..." (آل عمران: من الآية140)، وما أسرع مرور الأيام وما أعجل انقضائها ففي هذا الوقت بدأنا نودع فيه عاماً كاملاً هو العام الهجري ألف وأربعمائة وتسع وعشرين.عشنا خلاله أياماً بلياليها بلغت ثلاثمائة وأربعة وخمسين يوماً فيها ثمانية ألاف وأربعمائة وستة وتسعون ساعة. مضت بما فيها من الأفراح والأحزان وبما فيها من السعادة والأكدار، مضى ذلك العام وهناك العديد من الوقفات الهامة التي ينبغي أن نقف عندها ونتأملها ومن أبرز تلك الوقفات ما يلي:
الوقفة الأولى: وقفة تأمل واعتبار:
فكم فقد في العام المنصرم من الأحباب والأصفياء والصالحين والعلماء وكم دارت فيه من حروب وكم أزهقت فيه من أنفس معظم تلك الأنفس بريئة لا ذنب لها وكم من ديار خربت وأموال سلبت وأعراض انتهكت كم وكم من الأحوال تبدلت وتغيرت وكم أعزَّ الله من أقوام وأذل من آخرين وهذا كله يدلنا على قدرة الخالق - سبحانه - فهو العزيز الحكيم يعز من يشاء ويذل من يشاء ويخلق ما يشاء ويتوفى من يشاء ويغني من يشاء ويفقر من يشاء. قال - عز وجل -: "قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ" (آل عمران: 26-27).
وما أسرع مرور الأيام وما أعجل انقضائها ففي هذا الوقت بدأنا نودع فيه عاماً كاملاً، مضى ذلك العام وهناك العديد من الوقفات الهامة التي ينبغي أن نقف عندها ونتأملها.
وقال - سبحانه - مبيناً أنه ما خلق الخلق إلا لعبادته ولم يخلقهم عبثاً ولن يتركهم هملاً: "أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ" (المؤمنون: 115-116) فما حل بمن مات في هذا العام سيحل حتماً بكل واحد منا وإن لم نعتبر بغيرنا فسنكون عبرة لغيرنا وما أحسن ماقيل:
يقولون أسباب الحياة كثيرةٌ *** فقلت وأسباب المنون كثير
وما هذه الأيام إلا مصائد *** وأشراك مكروهٍ لنا وغرور
يسار بنا في كل يوم وليلة *** فكم ذا إلى ما لا نريد نسير
وما الدهر إلا فرحة ثم ترحة *** وما الناس إلا مطلق وأسير
أسأل الله - تعالى -أن يكشف عن إخواننا المسلمين ما هم فيه من بلاء وأن يجعل ما أصابهم رفعة لدرجاتهم وتكفيراً لسيئاتهم وأن لا يبتلينا فإننا ضعفاء وأن يحفظ لنا ديننا وأن يحمي بلادنا وبلاد المسلمين أجمعين وأن يوقظنا ويحيي قلوبنا ويرزقنا الاعتبار بما حولنا ويوفقنا للعمل الذي يرضيه عنّا.
الوقفة الثانية: هذا العام مضى ولن يعود أبدا:
فما أودع فيه من عمل فقد أودع ولا يمكن التغيير فيما سجل إلا بأن يعمل الإنسان عمل جديد يعوض به ما مضى ويزيد به ما هو موجود وأما إن كان العمل سيئاً فلا بد من توبة تمحو آثاره وتزيل بقاياه فباب التوبة مفتوح ولا أحد يحول بين التائب وربه - سبحانه وتعالى -.
يا عبد كم لك من ذنب ومعصية *** إن كنت ناسِيها فالله أحصاها
يا عبد لابد من يوم تقوم له *** ووقفة لك يدمي الكف ذكراها
الوقفة الثالثة: النتيجة على قدر الاجتهاد:
فإن من جدَّ واجتهد تحصل على نتيجة اجتهاده سواء كان اجتهاده في أمر من أمور الدين أو أمر من أمور الدنيا وقد أحسن من قال:
بقدر الجد تكتسب المعالي *** ومن طلب العلا سهر الليالي
ومن رام العلا من غير كدٍ *** أضاع العمر في طلب المحالِ
والناجحون هم الذين يجتهدون وعن ساعد الجدِّ يشمرون قد يتعبون أنفسهم فيصبرون وفي النهاية يسعدون ويفرحون وعند الصباح يحمد القوم السُرى.
الوقفة الرابعة: وقفة محاسبة:
فبعد مضي عام كامل من العمر عمر هو محسوب على كل مسلم فماذا قدمنا في هذا العام من عمل صالح يكون لنا ذخراً عند الله - تعالى - يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم:
عليك بمنع نفسك عن هواها *** فما شيءٌ ألذَّ من الصلاحِ
تأهب للمنية حين تغدو *** كأنك لا تعيش إلى الرواح
فكم من رائح فينا صحيح *** نعته نعاته قبل الصباح
وبادر بالإنابة قبل موت *** على ما فيك من عِظَم الجُناح
وليس أخو الرزانة من تجافى *** ولكن من تشمر للفلاح
قال الإمام أحمد - رحمه الله -: "قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا فإنه أهونُ عليكم في الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم وتزيَّنوا للعرض الأكبر يوم تعرضون لا تخفى منكم خافية". وقال الحسن - رحمه الله -: "المؤمن قوّامٌ على نفسه لله وإنما يخف الحساب يوم القيامة على قومٍ حاسبوا أنفسهم في الدنيا وإنما شق الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة". وقال ميمون بن مهران: "لا يكون العبد تقيّاً حتى يكون لنفسه أشد محاسبة من الشريك".
الوقفة الخامسة: الوقت ثمين ولا يقدر بثمن:
فقد مضى من عمرك أيها المسلم عاماً كاملاً وهذا العام هو عام ثمين ولو أحسنت استغلاله لحصل على حسنات كثيرة لا تقدر بثمن ولربما ارتفعت في الجنة منزلته إن كان من أهل الجنة بسبب حسن استغلاله لوقته وما فاز من فاز بالدرجات العلى في الجنة إلا بسبب استغلال أوقاتهم بالعمل الصالح مع صلاح القلب فاجتمع لهم بذلك صلاح الباطن مع صلاح الظاهر وقد قال الخالق - سبحانه -: "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً" (الكهف: 107-108)، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أهل المنازل العالية في الجنة كمالغابر في السماء". وقد قيل:
الوقت أنفس ما عنيت بحفظه *** وأراه أسهل ما عليك يضيع
والوقت بمضيه دون أن يستفيد المسلم منه يمثل خسارة كبيرة لا تقدر بثمن فإن الدقيقة الواحدة يستطيع المسلم أن يذكر الله - تعالى -فيها ويكون له بهذا الذكر حسنات والحسنة بعشر أمثالها وقد صح الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم".
دقات قلب المرء قائلة له *** إن الحياة دقائق وثواني
فارفع لنفسك قبل موتك ذكرها *** فالذكر للإنسان عمر ثاني
وفي الختام عن العجب ليس أن نعيش هذا العام ونحيا فيه ولكن العجب أننا نفرح بالغد ونستعجل الأيام وهي تسير بنا إلى آجالنا والله المستعان.
إنا لنفرح بالأيام نقطعها *** وكل يوم مضى يدني من الأجل
أسأل الله - تعالى -أن يحيينا على طاعته وأن يجعل ما قدمنا في العام المنصرم من أعمال صالحة مقبولة عنه - سبحانه - وأسأله وهو الكريم - سبحانه - أن يتجاوز عن ما حصل فيه من تقصير وخلل ولا يسلم أحد من ذلك.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
ا روى الإمام مسلم في صحيحه "إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف كما تتراءون الكوكب الدري