بسم الله الرحمان الرحيم
وقفات عند بعض معالم من سيرة الشيخ بآي بالعالم
ورقات أعدها تلميذه / عبد القادر قدي
طريقته في التدريس :
كان رحمه الله يتبع طريق متدرجا فيما يتعلق بالتدريس فكان – على الطريقة التقليدية – يعتمد المتون ويقوم بشرحها لطلابه بعد حفظها بالتدرج فالمتون المعتمدة عنده هي نفسها المعتمدة في المدارس الدينية بالمنطقة وان كان تركيزه على بعضها اكبر ولكنه في تفسيره لكل متن يحاول التبسيط والنفوذ إلى الواقع الاجتماعي مما أضفى على دراسته نوعا من الحيوية ، كما يزين درسه دائما بالملح والطرف وببعض الألغاز ، وهذا ما يجعل جو الدرس خفيفا محببا للنفس ويتبع في الشرح منهج التحليل والتركيب والقياس مع ضرب الأمثلة وكذا الشواهد شعرا أو نثرا ، وهو إلى جانب ذلك يثير روح المنافسة بين الأقران بواسطة الثناء والمدح والتزكية ، وبث روح الجد والاجتهاد ، فقد كان يسافر ويعين عددا من الأحاديث للحفظ وعندما يعود من سفره يكافئ الذين وجدهم قد أتموا الحفظ ويثني عليهم ويلقبهم أحيانا بألقاب أهل الحديث ، كما كان يشد تلاميذه إليه فقد كان يراعي خصوصياتهم وربما هواياتهم وانشغالاتهم فيقدم في الدرس الفلاحين الذين لهم ارتباطات ببساتينهم كما يحاول البدء أيضا ببعض الذين لهم انشغالات أو هوايات كلاعبي كرة القدم حتى لا ينقطعوا عن حضور المجلس أو يتغيبوا ، و كان تلاميذه الكبار يقدمون دروسا استدراكية لمن تخلف عن رفاقه في أي متن من المتون ، إلى جانب تدريسهم للنحو وبعض المتون في فنون شتى .
منهجه في الفتيا :
كان رحمه الله ميسرا غير معسرا ومبشرا غير منفرا يميل إلى الوسطية والاعتدال في كل شي ، فكان ينبذ كما يقول : التطرف والتخرف فيعتمد على الأدلة الأصلية ويحاول الترجيح بين الأقوال عندما يكون في المسالة أكثر من رأي لاسيما في المسائل الفرعية الخلافية ، وكان يستفيد من كل المذاهب فيأخذ بالجمع عليه ولو خالف مذهبه فهو يقول بقراءة الفاتحة في صلاة الجنازة ويرى جواز التوكيل في الرمي بالحج للنساء قياسا على العجزة حفظا لأرواحهم وكرامتهم و.....و...ولكن يقدر ما كان متسامحا في المختلف فيه إلا انه كان لا يهادن ولا يلين في القضايا التي رجح لديه دليلها وصارت كالمعلوم من الدين بالضرورة . فقارع من أفتى في فوائد البنوك الربوية بالحل ، وألف كتابا في الرد على ذلك . وقد ناظر في ميدان الإفتاء ودون فتاواه نثرا ونظما ، ولعل البعض الذي يطبع سيرى النور يوما ما .
إنتاجه العلمي والثقافي :
لقد ألف الكثير من الكتب فكتبه المعروفة تناهز الأربعين 40 ، والكثير منها مطبوع وهي في فنون شتى منها المنظوم ومنها المنثور ومنها ما هو شرح على متون ، ومنها القصير ومنها المطول ، ومن آخر ما طبع من مطولاته كتاب [ مرجع الفروع إلى التأصيل من الكتاب والسنة والإجماع الكفيل ] وهو شرح على نظم خليفة بن حسن السوفي ، كما ألقى العديد من المحاضرات في مناسبات دينية واجتماعية وفي ملتقيات علمية ، وكان قبيل وفاته رحمة الله عليه مشاركا في احد هذه الملتقيات وبعد عودته منه بيومين أو ثلاثة انتقل إلى رحمة ربه راضيا مرضيا ، وقد كان له اهتمام خاص بالتاريخ العلمي والثقافي للمنطقة، فكان له الفضل في إبراز الكثير من الكنوز واهتم بأدب الرحلة ودون رحلاته في كتاب من مجلدين جمع فيه الكثير من الأمور ذات الطابع العلمي والثقافي والاجتماعي وحتى الظواهر اللغوية واللسانية المرتبطة بالمنطقة وبالمناطق التي زارها داخل الوطن وخارجه ، وهو رجل مسامح فكريا له علاقات برجال العلم والفكر والأدب ، أفاد منها كثيرا بالنسبة للذين يخالفونه في الانتماء المذهبي أو العقائدي من أصحاب الفرق الأخرى ، وهو بحكم تعلقه بالحج وارتباطه بالحجاج رأى انه يؤلف دليلا خاصا في مناسك الحج جمع فيه آراء المذاهب الأربعة إلى جانب المذهب الاباضي باعتباره من مذاهب الجزائر ، وله علاقات جد وطيدة مع علماء هذا المذهب ورجاله ، وهو في ميدان التأليف أشبه ما يكون بالإمام السيوطي إن لم يكن هو سيوطي المنطقة.
أسلوبه في الإصلاح :
الشيخ باي – رحمة الله عليه - ظاهرة فذة فهو عالم وفقيه وأصولي ومتكلم وباحث اجتماعي ولغوي....وأيضا مصلح اجتماعي ، فهو في حياته الخاصة لم يكن يتميز عن الآخرين بشيء ، تزوج وربى وخالط الناس وشاركهم أفراحهم وأتراحهم ، له محبوه وأنصاره وله مخالفوه وخصومه ، إلا انه مع ذلك كان مؤثرا في المجتمع يأخذ بمنهج الإصلاح المتدرج ، تراه يركز على العقيدة فيصلحها وينقيها من الشوائب ويبتعد بها عن الخرافات ويهتم بالظواهر السلبية في المجتمع كالتدخين والمخدرات فيحاربها ، يغتنم في ذلك كل الفرص إلى جانب دروسه المدرسية والمسجدية يغتنم فرصة خطب الجمعة والأعياد كما يغتنم فرص حفلات الزواج والمآتم ، فتراه في كل مناسبة يذكر ويعظ ويبين العواقب ، واستطاع ان يخفف من كثير من الظواهر ، والبعض كان يعيب عليه حضور بعض المواسم الاجتماعية كالزيارات المعروفة عندنا وغيرها ، ولكن كان له رأي هو السعي إلى التغير من الداخل وقد وفق فعلا في مسعاه جزاه الله خيرا .
الخلاصة :
إن الشيخ بآي بلعالم – رحمة الله عليه - كان مدرسة متميزة علميا وثقافيا واجتماعيا ، له منهجه المتفرد وله أسلوبه المتميز كان يصل الليل بالنهار دارسا ومدرسا ومؤلفا ، لم يعرف للراحة معنى منذ أيام الطلب، فكانت راحته بما ينجزه رغم ظروفه الصحية ، إذ كان يعاني من أمراض عدة لم يثنه وضعه على السفر والترحال في سبيل الإفادة والاستفادة ، فلا يكاد يمر شهرا دون أن تجده مسافرا ، عرف وجوها شتى وخالط أصنافا من البشر عدة ، وسكب كل معارفه وتجاربه في مؤلفات تركت وراءه تخلد ذكراه وتواصل مسعاه وتشهد له على انه كان ابن أولف الذي عرف به اولف ، فرحمة الله عليه رحمة واسعة واسكنه فسيح جناته وأثابه ثواب المحسنين المخلصين والحمد لله رب العالمين .
إعداد الأستاذ / عبد القادر قدي . مدير ثانوية جبايلي عبد الحفيظ باولف
يناير 2012 .