خواطر رمضانية - رمضان والفيسبوك

رمضان والفيسبوك

بحلول سنة 2014 تجاوز عدد مستخدمي موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك أكثر من 60 مليون في الوطن العربي، وأمام هذا العدد الكبير أصبح لا يخفى على أحد مدى تأثيره على المواطن العربي وبالتالي على المجتمعات العربية، ولعل أبرز دليل على هذا هو مساهمته الفعالة في الثورات العربية.

بعيدا عن لغة الأرقام، لو تصفحنا ما يُنشَر على هذا الموقع - وأقصد هنا المحتوى العربي - لوجدناه يتباين ما بين تقديم خدمات إعلامية وأخرى تجارية أو توعوية، أو ما بين منشورات فكاهية وأخرى لأشخاص لا همّ لهم سوى إعانة رقّاص الساعة على الدوران، وأخرى لم يجد لها عقلي الصغير مكانا لتصنيفها.

أما بحلول رمضان الكريم فتبدأ قصة أخرى، فكما يتم تكييف برامج التلفاز حسب الشهر الفضيل - ويا ليته كان تكييفا إيجابيا - فكذلك يَلمس مستعملوا الفيسبوك تكييفا عميقا في نوعية المنشورات، ولعله بمجرد اقتراب ليلة الشك تجد الصور الشخصية للبروفايلات (الحسابات الشخصية) تتغير في معظمها لتكتسي حلة رمضانية خالصة، وبنفس الوتيرة يجري التنافس على اختيار أحسن الصور الرمضانية للتايم لاين (الصورة الدعائية للصفحات)، والمشكلة ليست هنا بالتأكيد، لأن ظاهر الأمر إيجابي ولا ريب، ولكن المفارقة في تلك الـ 180 درجة التي تحدث في نوعية المحتوى للبعض - هدانا الله وإياهم - فتجد منشوراتهم قبل رمضان خالية من المضمون - إن لم تكن مسيئة أو مُخالِفة - ليتغير الأمر في رمضان بنشرهم فوائدَ وحكمٍ يحسبُهم الجاهل من علماء الأمة، ثم ما يلبثوا أن يعودوا إلى ما كانوا عليه ولا حول ولا قوة إلا بالله.

التغيير مطلوب ومحمود، وكم هو رائع أن يكتسي الفرد ثوبا مناسباتيا خالصا ليعيش الحدث بكل تفاصيله، ولكن على أساس أن يواصل المسيرة بعد المناسبة، أو في أسوأ الحالات عدم قيامه بما يناقض قيم المناسبة، ولعلنا جميعا نعلم أنه من علامات قبول الصيام هو مواصلة الطاعات بعد شهر رمضان، فلنعمل على ترك أثر رمضان في سلوكنا حتى لا نكون كمن يسكب الماء في الغربال.

ومن جانب آخر وبينما كنت البارحة أتصفح آخر المنشورات في الفيسبوك وإذ بي أجد منشورا وقفت عنده مطولا، لا أدري هل أشفق على صاحبه أم أغضب منه، المنشور يتعلق بالمأساة التي تحدث حاليا لدى إخواننا المرابطين في غزة الجريحة - ولي عودة لهذا النقطة لاحقا - حيث أن أحدهم وضع صورة مؤثرة وكتب تحتها: "لعن الله من رأى الصورة ولم يكتب الله أكبر"، فالواضح أن أخانا أخذ به التأثر كل مأخذ حتى أصبح غير واع بما يكتبه، ولو أنه أدرك ما قال لاستحق واحد من الاثنين اللعنة - والعياذ بالله - إما هو وإما من رأى الصورة ولم يكتب الله أكبر، أسألُ الله أن يتجاوز عن صاحب المنشور.

ما نشره أخونا يذكرني بتجار اللايكات (الإعجابات) على الفيسبوك، حيث أستغرب كثيرا من أشخاص لا همّ لهم سوى إحراز عدد كبير من المعجبين والمعلقين، حتى لو كلفه الأمر استعمال طرق قسرية أو ملتوية أو غير أخلاقية، فلو كانت إدارة الفيسبوك تدفع لهم أموالا مقابل كل إعجاب لكان ما يفعلونه أكبر درجات الجشع، فما بالك أنْ ليس لهم في الأمر ناقة ولا بعير، ثم أستغل الفرصة لأقول: إن الله عز وجل لا يحتاج لمليون لايك (إعجاب) ولا حملة لجمع مليار تعليق، هو غني عن كل هذا، ولكن نحن الفقراء إليه، فلفظ الشهادتين بإخلاص ويقين وتدبر خير لنا من ألف إعجاب وتعليق، وهذه الطرق غير السوية لمجرد حصد إعجاب أو تعليق، تجعل أصحابها يشوهون صورة الإسلام بدل أن ينشروه على حقيقته الجميلة.

"أنشر الموضوع وإن لم تفعل فاعلم أن ذنوبك هي التي منعتك"، "أستحلفك بالله أن تشارك الموضوع"، "لو كنت تحب النبي صلى الله عليه وسلم اضغط على لايك".. هي نماذج عن ما كنتُ أتحدث عنه سابقا، ولو كان هدف من يكتبون هذا هو نشر الخير لحصلوا على الأجر إن احتسبوه عند الله، ولا يهمهم بعدها مقدار الضغط على أزرار افتراضية لا تسمن ولا تغني من جوع، وإن كان ولا بد، فملاحظةٌ بسيطة من أجل الإعجاب أو إعادة النشر تكون كافية، ولكن دون إحراج ولا مزايدات ولا مساومات.

أعود مجددا لأجمع ما تبقى من ماء وجوهنا - إن بقي فيها شيء - وأتحدث عن غزة الصمود والمقاومة وقد سقط من شهدائها ما يقارب المئة أو يزيد، ونحن كما نحن، لا يُتقِن حكامنا غير الشجب بقوة والتنديد والإدانة بشدة، حتى يُخيَّل لمن يسمع بالقوة والشدة أننا أمام جيش عرمرم، أما شعوبنا فجزء منها منفصل عن المشهد تماما سواء إراديا أو لا إراديا، والجزء الآخر لا حول له ولا قوة أمام هذه القوانين الجائرة التي لا تنصف مظلوما ولا تقتص من ظالم، وكم أشعر بالقرف حين أسمع مِن بعض حكامنا دَعوتهم لبحث ما يسمى بمعاهدة السلام، هذه الكلمة التي لم يعد يؤمن بها حتى أصحاب الآذان الطويلة، ولكن يا غزة صبرا.. إن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا.

في الأخير أُذكّر نفسي وإياكم أن الفيسبوك ما هو سوى وسيلة لتحقيق أهداف نبيلة، فإن كان فهو ذاك وإلا فبُعدُهُ خير منه، وهو صناعة أصدقائنا، فلننتق أصدقاءنا بعناية ولتكن لنا غاية سامية من ورائه.
خواطر رمضانية - رمضان والفيسبوك Ycoa10

السلام عليكم و رحمة الله

خواطر قيمة أخي العزيز أفدتنا بها من دون شك

جزاك الله خيرا و في ميزان حسناتك

keddi1990 كتب:: وهذه الطرق غير السوية لمجرد حصد إعجاب أو تعليق، تجعل أصحابها يشوهون صورة الإسلام بدل أن ينشروه على حقيقته الجميلة.

وهذا بسبب الفراغ الروحي واستغلال العاطفة الدينية استغلالا مشينا ويمس بالاسلام. نسال الله الهداية والمغفرة.

موضوع قيم ومهم وحساس ويمس مجتمعنا الاسلامي. اللهم اجعلنا ممن يمثل الاسلام احسن تمثيل.

بارك الله فيك في ميزان حسناتك

بارك الله فيك أخي و جزاك الله كل خير
فعلا موضوع في الصميم
مشكووووووور

السلام عليكم ورحمة الله

موضوع في الصميم فعلا
بارك الله فيك.

شكرا جزيــلا لكم على المرور الجميــل، سعدت كثيرا بملاحظاتكم

» خواطر رمضانية - أهلا رمضان
» خواطر رمضانية - سنشتاق لك رمضان
» خواطر رمضانية - رمضان بريء يا صائمون
» خواطر قصر تمقطن
» بمناسبة شهر رمضان إليكم إمساكية رمضان