زنزانة العندليب رقم 73 بنت الجزائر .. أهوى فيك طلعتها زج بالشاعر في زنزانة مظلمة بسجن بربروس إثر أن أسلمته
زبانية العذاب للسجانين يوم 28 أبريل ( نيسان) 1955 فهاجة في أعماقه
المواجد ، ونظم هذه القصيدة في ظلام الزنزانة وحفظه بيتا بيتا لاستحالة
كتابته .
سيان عندي ، مفتوح ومنغلق
ياسجن ، بابك ،أم شدت به الحلق
أم السياط ، بها الجلاد يلهبني
أم خازن النار ، يكويني فأصطفق
والحوض حوض ، وإن شتى منابعه
ألقى الى القعر ،أم اسقى فأنشرق
سري عظيم ، فلا التعذيب يسمح لي
نطقا ، ورب ضعاف دون ذا نطقوا
يا سجن، ما أنت ؟ لا أخشاك، تعرفني
من يحذق البحر ، لا يحدق به الغرق
إني بلوتك في ضيق ، وفي سعة
وذقت كأسك ، لا حقد ولا حنق
أنام ملء عيوني ، غبطة وضى
على صياصيك ، لا هم ولا قلق
طوع الكرى ، وأناشيدي تهدهدني
وظلمة الليل ، تغريني فأنطلق
والروح تهزأ بالسجان ساخرة
هيهات يدركها ، أيان تنزلق
تنساب في ملكوت الله سابحة
لا الفجر ، إن لاح ، يفشيها ولا الغسق
ورب نجوى ، كدنيا الحب ، دافئة
قد نام عنها رقيبي ، ليس يسترق
عادت بها الروح ، من سلوى معطرة
فالسجن ، من ذكر ( سلوى) ، كله عبق
سلوى .. أناديك سلوى ..مثلهم خطأ
لو أنهم أنصفوا ،كان اسمك الرمق
يا فتنة الروح، هلا تذكرين فتى
ما ضره السجن ، إلا أنه ومق ؟
هل تذكرين ، إذا ما الحظ حالفنا
إليك أهتف يا سلوى ، فنتفق ؟
أم تذكرين ، ولحن الموج يطربنا
إذ نفرش الرمل في الشاطيء ونعتنق ؟
الموج ينقل في أصدائه قبلا
يندى لها الصخر ، حتى كاد ينفلق
نسابق الشمس ، نغزوها بزورقنا
فيسخر الموج منا كيف نلتحق
وتغرب الشمس ، تطوي في ملاءتها
سرين ، أشفق أن يفشيهما الشفق
وكم سهرنا ، وعين النجم تحرسنا
إذ نلتقي كالرؤى ، حينا ، ونفترق
والليل يكتم في ظلمائه شبحا
يأوي إلى شبح ، ضاقت به الطرق
ياليل.. كم لك في الاطواء من عجب ...
ياليل..حالك حالي أمرنا نسق..
سلوى ، حديثك يا سلوى يباغمني
والطرف يختان ، لايدري به الحدق
أنفاسك الطهر ، كالصهباء تغمرني
دفئا ، ويسكرني من فرعك العرق
سمراء..خدرها الباري، وصورها
إن أرتشف ثغرها ، يفتك بي الارق
سلوى..أناديك سلوى..هل تجاوبني
سلوى؟؟ فإن لساني باسم ذلق
ردي علي أهازيجي موقعة
فقد أعارك وزنا ، قلبي الخفق
ورتليها تسابيحا مقدسة
في معبد الحب ، يسجد عندها الافق
واستأذني ، في رسالات الهوى ، قمرا
يرنو إليه كلانا، حين يتسق
إني رأيت أخاك البدر ذا ثقة
جلت أياديه في دنيا الألى عشقوا
يا لائمي في هواها ، إنها قبس ،
من الجزائر ، والأمثال تنطبق
بنت الجزائر .. أهوى فيك طلعتها
فكل ما فيك من أوصافها خلق
أحبها ، مثل حب الله ، أعبدها
آمنت بالله ، لا كفر ولا نزق
أرض الجزائر في افريقيا ، قدس
رحابها ، من رحاب الخلد ، إن صدقوا
قلب العروبة لم يعصف بنخوتها
عسف ، ولا نال من إيمانها رهق
نادى المنادي الى التحرير يدفعها
فاستصرخت ، من قيود الحجر تنعتق
ثارت على الظلم ، مثل السيل جارفة
فلا الفيالق نتثنيها ولا الفرق
جيش ، الى النصر ، تحدوه ملائكة
مسومون ، بموج الموت يندفق
وجبهة ، بسديد الرأي تسنده
كل المعاميد فيها ، مدره لبق
و فتية ، هرعوا للشرق يعضدهم
إن يصعقوا ،فكأن الكون ينصعق
والشعب ، يسبح للعليا على دمه
وللتبرع بالأرواح يستبق
لم يثنه دون إدراك المنى رهق
وإن هم ، أحرقوا بالنار ، أو شنقوا
هذا الذي يا فرنسا ، تهدفين له
جهلا ، أما في فرنسا حازم حذق ؟
وضع السلاح ، أحاديث ملفقة ،
خرافة ، صاغها للكيد مختلق
لا تشغلينا بأثواب وأرغفة
أهدافنا المجد ، ليس الخبز والخرق
فكم قطعت عهودا ، أصبحت حلما
حتى غدونا ، بغير الحرب لا نثق
حقوقنا ،بدم الأحرار نكتبها
لا الحبر ، أصبح يعنينا ، ولا الورق
لا تطمعي النصر ، من جند سماسرة
أيحرز النصرمأجور ومرتزق ؟
جند ، يباع ويشرى مثل ماشية
يلقي السلاح إذا ما نابه الفرق
جيش من المرد ، غلمان ، مخنثة
أحلاس يدفعها - للزلة - الشبق
فلا ضمير عن الفحشاء يردعهم
إن أيسروا فسقوا ، او أعسروا سرقوا
يارب .. عجل بنصر كم وعدت به
فإن بابك ، باب ليس ينغلق
وأنت يا سجن .. لو أفلت ناصيتي
رأيتني ، لخطوط النار أخترق
لا أبتغي العز إلا في مغامرة
إن السماوات ، للمقدام تنفلق
روحي .. وهبتك يا روحي ، فدا وطني
زلفى الى الله ، لامن ولا ملق
وإن جفاني ذوو القربى ، فلا عجب
إن النبوة في أوطانها خرق ..
لا زلت أرعى لهم عهدا ، وإن بقيت
مثل المدى ، من جفاهم ، في الحشى حرق
سيذكرون ، إذا اليل الرهيب سجى
وجلجل الخطب ، أني في الدجى قلق
حسبي ، وحسب أناسي ، أن غدوت لهم
عودا ، يعطرهم ، ذكري وأحترق...... إنتهى
منقوووول...